العودة ليست نزهة لكنها جهاد جميل

Rate this post

“أنا صرلي ٣ شهور نازلة على سوريا… وحاسة حالي تسرعت بالقرار”.
بهذه العبارة الموجعة، اختصرت صديقتي العودة من تركيا إلى سوريا، محمّلةً بنيّة صادقة: أن تعيد لأطفالها اللغة، والهوية، والجذور.

اقرأ أيضاً

رقم دكتور نفسي سعودي

لكنها وجدت الأرض ليست كما توقعت، والمدرسة ليست كما حلمت، والتأنيب و الشدة كان في استقبال صغيرتها ذات التسع سنوات، لمجرد أنها “تكتب ببطء”!
طفلة تبكي في حضن أمها، وتهمس:
“متى سنعود إلى تركيا؟ اشتقت لآنسَتي ورفاقي.”

العودة ليست نزهة لكنها جهاد جميل

العودة ليست نزهة لكنها جهاد جميل

الصدمة المدرسية كانت أقسى من كل تحديات الحياة اليومية، من انقطاع الكهرباء والماء، من الغلاء، من التعب.
لأن الصدمة هنا مست القلب الصغير.
لكن…
هل هذا يعني أن العودة قرار خاطئ؟
هل الصبر على المشقة هو ضعف أم بطولة؟
وهل حماية أطفالنا تعني الفرار من الواقع، أم البناء بداخله؟

العودة ليست نزهة.
هي اختبار.
هي نوع من الجهاد لا سيف فيه ولا سلاح، بل معركة صامتة بين القيم والظروف، بين الرغبة في الاستقرار، والخوف من ضياع اللغة والانتماء.

الأم التي عادت لأجل اللغة العربية، لم تكن تافهة في أولوياتها.
بل كانت تنظر لأبعد من الراحة: إلى المستقبل، إلى الروح، إلى الجذور.

قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]

والثبات في الأرض، وتحمّل أذاها، هو من أعظم صور “الاستخلاف”، لا أن نكون غافلين ولا مُنهزمين، بل أن نُعيد بناء ما تهدّم.

نحن لا نهوّن من المعاناة، ولا نقدّس الألم، لكننا نقول:
من عاد إلى سوريا من موقع الاختيار، لا الجبر، فهو في مهمة.
مهمة إعادة التوازن، وبثّ الرحمة، وتعليم من بقي كيف يمكن أن يكون التعليم غير عنيف، والطفولة غير مضروبة، والحوار غير مهان.

عودتنا ليست استسلامًا، بل استثمار.
نعم، نحتاج إلى تدريب المعلمين.
نعم، نحتاج إلى بيئة تعليمية آمنة.
لكننا نحتاج قبل ذلك إلى من يصبر حتى يُصلح، لا من يغضب فيُغادر.

اطلع على

طبيب نفسي في السعودية

فأن تكون في أرضك، وتواجه الألم بابتسامة وأمل، وتحضن ابنك وتربّيه على تغيير الواقع بيده… فهذا جهاد.
وهذا، هو معنى الاستخلاف في الأرض.