المرأة والمال في الإسلام

التوازن في فقه الأموال وتوزيع الحقوق بين الجنسين

الأموال على هذه البسيطة مملوكة لله عز وجل، وقد استُخلفنا في التصرف فيها وفق أصول وأحكام خاصة، تعرف بفقه الأموال، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ (الحديد: 7)، وقوله تعالى: ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (النور: 33).

من الأصول الفقهية المرتبطة بالمال أصلُ عدمِ جواز أكل الأموال التي في أيدي الناس بالباطل، قال سبحانه: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ (البقرة: 188)، وفي الحديث: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه».

كذلك، من الأصول المرتبطة بالمال عدم تفضيل جنس على جنس في الحقوق المالية، ليكون تعدي جنس على آخر بعد أن تساويا في هذه الحقوق اعتداءً وأكلًا للمال بالباطل، يحرم بمقتضى الأصل السابق.

والواقع أن حقيقة التكليف تتناقض مع فكرة التحيز لجنس بعينه؛ فقد قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56) وكلمة الإنس شاملة للجنسين الذكر والأنثى، فليس جنس إذًا مخلوق لمنفعة جنس آخر؛ بل كل جنس باستقلال مخلوق لغاية واحدة وهي عبادة الله سبحانه وتعالى. هذا التساوي في التكليف يستدعي في الأصل التساوي في الواجبات والحقوق بين الجنسين، لأن الواجبات في الأصل هي تبعات التكليف، أما الحقوق فهي من مزاياه؛ إلا فيما تستدعي طبيعته اختلاف الجنس عن الجنس، كالقوامة، والإمامة، وحق التطليق للرجل، وحق النفقة والحضانة والرعاية للمرأة.

القضية في منح الحقوق ليست قضية تفضيل جنس على جنس آخر؛ بل هي توزيع للحقوق بما يتناسب مع طبيعة الجنسين وتكاملهما.

 

توزيع مصادر الكسب المالي بين الرجل والمرأة في الإسلام

المال في الإسلام ليس غاية بحد ذاته؛ بل وسيلة لتحصيل مقومات العيش الكريم. حاجة الرجل والمرأة للمال واحدة، لكن قدرتهما على الكسب تختلف بسبب الفروق البدنية وانشغال المرأة برعاية الغير. لذلك، شرع الإسلام سبلًا مختلفة للكسب تتناسب مع قدرات كل منهما.

من المصادر الخاصة بكسب المرأة المهر والنفقة، حيث يعتبران مصدرين للكسب تستقل بهما النساء ويجبان لهن على الرجال.

أما المصادر المشتركة للكسب بين الرجل والمرأة فتشمل العمل والميراث والهبات والوقف. ومع أن الرجل قد يكون أقدر على العمل من المرأة، فإن الميراث هو حق مشترك بينهما، وإن كان يتفاوت في بعض الحالات. في أكثر الحالات شيوعًا، وهي انتقال المال من الأب إلى الأولاد، يُعطى الذكور نصيبًا أكبر من الإناث، وذلك لأن الرجال ملزمون بنفقة النساء ودفع المهور عند الزواج.

كما أن أهلية المرأة في التصرفات المالية تعادل أهلية الرجل، فلا يوجد ما يستدعي التفريق بينهما في هذا الشأن. حاجاتهما للتصرفات المالية متماثلة لتلبية متطلبات الحياة من طعام وشراب ولباس ومسكن. التفريق بينهما غير مبرر وهما العاقلان البالغان المكلفان.

 

اطلع أيضاً على كيفية التعامل مع التوتر والضغوطات

الحقوق المالية للمرأة في الإسلام: نظرة شاملة

الميراث:

تضمنت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women) المعروفة اختصارًا باسم «سيداو» (CEDAW)، والتي بدأت فكرتها بمعاهدة حقوق المرأة الأساسية التي أعدتها مفوضية مركز المرأة بالأمم المتحدة وتبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة. تشمل المادة الثانية من هذه الاتفاقية سبعة بنود منها إبطال كل الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة في قوانينها واستبدالها بقوانين تؤكد القضاء على التمييز ضد المرأة.

 

ميراث المرأة في الإسلام:

الإرث في الإسلام حق للوارث ذكرًا وأنثى بغض النظر عن حال الوارث سواء كان فقيرًا أو غنيًا، رشيدًا أو سفيهًا، عاقلًا أو مجنونًا، صالحًا أو فاسقًا. قال تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ (النساء: 7).

قبل الإسلام، كان الميراث محصورًا في الولد الذكر الأكبر، ولم تكن المرأة ترث بأي حال؛ بل كانت تُعامل كجزء من متاع المنزل، تورث معه. كان العربي يقول: «لا نعطي إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة»، وهذا يعني أن الميراث كان مرتبطًا بالحماية والدفاع عن القبيلة، وليس للمرأة نصيب فيه.

 

الحالة التاريخية للمرأة:

روى جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن امرأة سعد بن الربيع جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيهما من سعد، وقالت: “يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدًا، وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالًا، ولا ينكحان إلا بمال.” فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يقضي الله في ذلك» فنزلت آية الميراث.

حال المرأة في الأمم الأخرى لم يكن أفضل، ففي إنجلترا حتى القرن الحادي عشر كانت الزوجة تُباع، وفي سنة 1567م صدر قرار من البرلمان الإسكتلندي يحظر على المرأة أن يكون لها سلطة على شيء من الأشياء.

 

تفسير مسألة تفضيل الذكر في الميراث:

يثير البعض مسألة تمييز الذكر عن الأنثى في توزيع الميراث في الإسلام، حيث المعروف أن للذكر مثل حظ الأنثيين. لكن هذا التوزيع ليس تحيزًا للرجل بقدر ما هو ترتيب عادل يعكس مسؤوليات وواجبات كل جنس. فالإسلام لم يفضل الرجل لرجولته بل نظر إلى التكليفات والواجبات المختلفة بين الجنسين.

الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تحابي الرجل لرجولته؛ لأن هذا يتناقض مع نظرة الإسلام التي ترى أن كلًا من الرجل والمرأة مخلوقان لغاية واحدة وهي عبادة الله. قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (النساء: 34)، يشير إلى التفضيل في القدرة على الإدارة والتدبير، وليس إلى التحيز بين الجنسين.

 

مقالات ذات صلة:

كيف أبني بيت مثالي وحياة زوجية سعيدة

علاج النطق عند الأطفال

أهم الخطوات لعلاج النطق والتواصل مع الطفل