استقلالية المرأة المالية بين القانون والواجب

استقلالية المرأة المالية بين القانون والواجب

تحتل المرأة في الشريعة الإسلامية مكانة رفيعة تتميز بالحقوق والواجبات التي تضمن لها كرامتها واستقلالها. من أبرز هذه الحقوق هو استقلال ذمتها المالية والاجتماعية، والذي يعكس التكريم الحقيقي الذي منحته الشريعة للمرأة منذ أكثر من 1400 عام. يمنح الإسلام المرأة الأهلية الكاملة في التملك والتصرف في أموالها دون الحاجة لإذن من الزوج أو أي وصي، مما يعزز من مكانتها ككيان مستقل قادر على إدارة شؤونه المالية والاجتماعية بكفاءة وحكمة.

هذا الاستقلال ليس مجرد نظري، بل مدعوم بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية واضحة، تضمن لها حرية الكسب، التملك، والإنفاق. إضافة إلى ذلك، يفرض الإسلام على الرجل نفقة زوجته وأسرته، مما يعزز من حماية حقوقها المالية و يعفيها من الضغوط الاقتصادية التي قد تتعرض لها. ولا تتوقف هذه الحقوق عند الجانب المالي فقط، بل تمتد إلى استقلالها الاجتماعي، حيث تُمنح المرأة حق المشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والمساهمة في رفاهية أسرتها ومجتمعها وفقاً لرغبتها وطيب خاطرها.

 

استقلال الذمة المالية للمرأة في الإسلام

  • تتمتع المرأة في الإسلام بالأهلية الكاملة والذمة المالية المستقلة تماماً.
  • للمرأة الحق المطلق في إطار أحكام الشرع فيما تكسبه من عملها الحلال، ولها ثروتها الخاصة.
  • يحق للمرأة التملك والتصرف فيما تملك دون الحاجة لإذن الزوج أو سلطته على مالها.

{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. يوضح هذا النص القرآني أن المرأة إذا كانت يتيمة ثم صارت راشدة، يجوز لها التصرف في مالها بعد اختبار حسن التصرف في المال.

تستحق المرأة النفقة الكاملة المقررة بالمعروف إذا كانت زوجة، بغض النظر عن حالتها المادية.

تجب النفقة على الزوج بحسب حاله يساراً أو إعساراً، وبما يتناسب مع الأعراف الصحيحة والتقاليد الاجتماعية المقبولة شرعاً، وذلك استناداً لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7].

تسقط النفقة فقط في حالة النشوز، وفقاً لما قرره الشرع والقانون.

 

اقرأ أيضاً عن عمل المرأة  الضوابط و الضرورة والضرر

 حق المرأة في التملك المالي والاستقلالية في الإسلام

نص القرآن الكريم على حق المرأة في الإرث مثل الرجل تماماً، حيث قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7].

أقر الله تعالى حق المرأة في تملك المهر وأعطاها حرية التصرف فيه، حيث قال: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]. يثبت هذا الحق أن المرأة تستطيع التصرف في مالها دون الحاجة لإذن من أحد.

تؤكد الآية الكريمة: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237]، حق الزوجة في تملك نصف المهر في حالة الطلاق قبل الدخول، وتتيح لها حرية التصرف فيه.

قال: «تَصَدَّقْنَ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» (صحيح مسلم). يثبت هذا الحديث ملكية المرأة لأموالها وحرية التصرف فيها دون إذن من أحد، مما يؤكد أن المرأة مخاطبة شرعاً بالعبادات المالية مثل الرجل تماماً.

يثبت الشرع الحكيم حرية المرأة في التملك والتصرف، لكنه لا يحرمها من المشاركة في تحمل أعباء الحياة الزوجية. فعن زينب، أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن النفقة على زوجها، فقال: “نعم، ولك أجران، أجر القرابة، وأجر الصدقة” (صحيح مسلم).

الشريعة الإسلامية تكفل للمرأة النفقة في بيت أبيها قبل الزواج، وفي بيت زوجها بعد الزواج، حيث ينفق الزوج عليها ولو كانت ميسورة. ولا يحق للزوج التصرف في مالها إلا بإذنها، ويجب عليه رد القرض الحسن إذا أخذ منها.

الشريعة الإسلامية تميز المرأة بحقوق مالية مستقلة وفريدة، تضمن لها حرية التصرف في أموالها دون تدخل، مما يجعلها شريكة مستقلة في بناء المجتمع والأسرة.

 

استقلالية المرأة المالية في المجتمع العربي

في العصر الحديث، يتزايد الحديث عن أهمية الاستقلال المالي للمرأة، والذي يُعتبر ضرورياً لتحقيق الأمان الحقيقي لها. هذا الاستقلال يُنظر إليه من منظور أن من يملك المال يملك القوة والقدرة على اتخاذ القرارات، وبالتالي فإن المرأة المستقلة مادياً تستطيع أن تكون مستقلة في جميع نواحي الحياة.

تتباين الآراء حول هذا الموضوع، حيث يرى البعض أن الاستقلال المالي للمرأة هدف منشود، إذ يمكنها من إعالة نفسها دون الاعتماد على الآخرين، مهما كانت صلة القرابة بينهم. في المقابل، تواجه هذه الفكرة تحديات في المجتمعات العربية، حيث تثير الكثير من التساؤلات والاعتراضات.

هناك من يعتقد أن المرأة المستقلة مالياً نادراً ما تقدم التنازلات في الحياة الزوجية. وفقاً للنظرة التقليدية للرجل الشرقي، فإن القرار الأسري يجب أن يكون بيد الرجل، وأن المرأة هي التي تقدم التنازلات. وبالتالي، يرون أن زيادة نسبة النساء المستقلات مادياً والرافضات لمبدأ قوامة الرجل تؤدي إلى زيادة نسبة الطلاق. لكن هذا الرأي يواجه معارضة كبيرة، حيث ترى شريحة واسعة من المجتمع أن استقلال المرأة المادي هو سلاح يحميها من طغيان الرجل، وأنه يحقق توازن القوى داخل الأسرة، مما يساهم في بناء علاقات سليمة ومتوازنة.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الاستقلالية المالية للمرأة ضرورة لحمايتها وتعزيز قوتها داخل الأسرة، أم أنها تهدد استقرار العلاقات الأسرية وتزيد من نسب التفكك الأسري؟

من هذا المنطلق، تسلط شعبة الإعلام بكلية التمريض الضوء على موضوع الاستقلالية المالية للمرأة، وكيف يراه المجتمع كظاهرة أصبحت طموحاً لأي امرأة، سواء أكانت متزوجة أم عزباء. كانت لنا لقاءات مع شرائح مختلفة من المجتمع، ونسلط الضوء على آرائهم وتجاربهم في هذا المجال.

مقالات ذات صلة:

المرأة والمال في الإسلام

كيفية التعامل مع التوتر والضغوطات

ماهو اضطراب الصدمة