علاج الأطفال الذين عاشوا ظروف الحرب

 تأثير الحروب على الأطفال ضياع الطفولة

علاج الأطفال الذين عاشوا ظروف الحرب ودوي المدافع يكاد يصمم آذانهم، وأزيز الطائرات يروع قلوبهم، ومشاهد القتل والدمار شريط يتجدد أمام أعينهم كل يوم، هذا هو واقع الأطفال في فلسطين والعراق ولبنان وغيرها من بلاد المسلمين. أما إخوانهم من الأطفال فيشاهدون مشدوهين على شاشات التلفاز نقلاً حيًّا لفصول الحرب والدمار.

بينما يعيش بعض الأطفال الحرب مباشرة، يشاهدها آخرون من بعيد، وفي كلتا الحالتين تضيع طفولتهم وتزداد معاناتهم. فماذا فعلت الحروب بأطفالنا؟ وماذا يمكن أن نفعل لمساعدتهم؟

علاج الأطفال الذين عاشوا ظروف الحرب

علاج الأطفال الذين عاشوا ظروف الحرب

تُظهر إحصاءات اليونيسيف أن حروب العالم قتلت مليون طفل ويتمت مثلهم، وأصابت 4.5 مليون آخرين بالإعاقة، وشردت 12 مليونًا، وعرَّضت 10 ملايين للاكتئاب والصدمات النفسية، معظم هذه الأرقام تأتي من بلدان العرب والمسلمين.

يركز علماء النفس والتربويون على الصدمة كأكثر الآثار السلبية للحروب انتشارًا بين الأطفال. عادةً ما يصاحب الصدمة خوف مزمن (فوبيا) من الأحداث والأشخاص والأشياء التي ترافق وجودها مع الحرب مثل صفارات الإنذار، وصوت الطائرات، والجنود، وغيرها. يُظهر الأطفال ردود أفعال متنوعة كالخوف، البكاء، العنف، الغضب، والاكتئاب الشديد.

إذا كانت الصدمة ناجمة عن مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة أو جثث مشوهة لأقارب له، فإنها يمكن أن تؤثر على قدراته العقلية. وقد تتسبب الصدمة في معاناة الأطفال من مشكلات عصبية ونفسية ممتدة مثل الحركات اللاإرادية، فقدان الشهية للطعام، الابتعاد عن الناس، الميل للتشاؤم واليأس، وسرعة ضربات القلب في بعض المواقف.

وتفجر الحروب لدى الأطفال، لاسيما الصغار منهم، أزمة هوية حادة؛ فالطفل لا يعرف لمن ينتمي ولماذا يتعرض لهذه الآلام. أما الأطفال الأكبر سنًا، فيجدون أنفسهم في موقف الجندية، حيث يتعين عليهم الدفاع عن أنفسهم وذويهم، حتى لو عرضهم ذلك للخطر. وإذا لم يفعل الأطفال ذلك، فإنهم يجدون أنفسهم في حالة من التشرد والفقر تفوق قدرتهم على الاستيعاب، مما يغذي مشاعر دفينة تظهر في مراحل متقدمة من أعمارهم في صور عصبية، انطواء، وتخلف دراسي.

إن أخطر آثار الحروب على الأطفال ليست تلك التي تظهر وقت الحرب، بل ما يظهر لاحقًا في جيل كامل ممن نجوا من الحرب، وقد حملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها. تتوقف خطورة هذه المشكلات على قدرة الأهل على مساعدة أطفالهم في تجاوز مشاهد الحرب.

في العراق، يشير أحد مسؤولي اليونيسيف إلى أن أكثر من نصف مليون طفل عراقي سيكونون بحاجة إلى علاج نفسي من الصدمة النفسية التي تعرضوا لها خلال الحرب.

أما في لبنان، فقد أشارت جماعة “إنترناشيونال ميديكال كوريس” الأمريكية إلى أن الأطفال اللبنانيين سيواجهون مشكلات صحية ونفسية خطيرة في الأشهر القادمة بسبب الحرب التي كان ثلث قتلاها وجرحاها من الأطفال. رصد أطباء الجماعة تغيرات سلوكية سلبية على أطفال لبنان في مناطق الحرب. وأكدت منظمة اليونيسيف أن الأحداث المروعة التي شهدها لبنان تركت آثارًا بالغة في نفوس الأطفال، وتوقعت عودة أمراض الإسهال والرئة وشلل الأطفال والحصبة بين أطفال لبنان الذين شردتهم الحرب.

 

اقرأ أيضاً عن كيف يتولد التوتر في الجسد

أثر الحروب على الأطفال معاناة مستمرة واضطرابات نفسية عميقة

معاناة الأطفال من الحروب لا تتوقف بتوقف المدافع، بل تصاحبهم إلى مراحل متقدمة من أعمارهم. فمذبحة قانا التي مر عليها حوالي عشر سنوات لا يزال الأطفال الذين عايشوها يعانون من اضطرابات نفسية. في بحث أجراه صندوق الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” بالتعاون مع وزارة التعليم اللبنانية على 500 طفل لبناني ممن عايشوا أو شاهدوا تلك المذبحة، تبين أن 30% من هؤلاء الأطفال لا يزالون يعانون من اضطرابات النوم، و14% يعانون من الاكتئاب، و40% منهم فكروا في الانتحار.

أثر الحروب على الأطفال معاناة مستمرة واضطرابات نفسية عميقة

أثر الحروب على الأطفال معاناة مستمرة واضطرابات نفسية عميقة

أما ملجأ العامرية الذي قصفته القوات الأمريكية خلال حرب الخليج الثانية قبل 15 عامًا، فما زالت آثاره النفسية باقية على الأطفال العراقيين الذين نجوا من تلك المذبحة أو شاهدوها. أحمد، الذي أصبح شابًا عراقيًا الآن، ما زال يعاني من الصور المرعبة لقصف ملجأ العامرية، حيث فقد والدته وخمسة من أشقائه.

يقول الأطباء النفسانيون: إن أطفال لبنان والعراق وفلسطين ربما لن يشفوا من الاضطرابات النفسية التي تسببها لهم الصور المختزنة في أذهانهم عن مشاهد الموت والدمار التي عايشوها. فكما يقول الدكتور فتحي الشرقاوي، أستاذ علم النفس، إن المشاهد التي يراها الطفل بين سن الثالثة والسابعة تشكل شخصيته وتؤثر في سلوكه. ولذلك، فإن مشاهد الجثث المحترقة والمنازل المهدمة يختزنها الطفل في عقله الباطن، مما يفقده طفولته وعفويته.

الآثار السلبية لتلك المشاهد لا تنتهي بنهاية مرحلة الطفولة، بل تشكل منظارًا يرى الطفل العالم من خلاله. ولأن الأطفال لا يفهمون مبررات الحرب كما يفعل الكبار، فإنه لا سبيل أمامهم للتعبير عن تأثرهم بما يعانون ويعيشون ويرون من تلك الحرب إلا الانطواء والتوجس أو التبلد أو العدوانية.

 

 

دعم الأطفال أثناء الحروب التحديات والحلول

علاج الأطفال الذين عاشوا ظروف الحرب اصبح متاحاً بين أيديكم يومنا هذا حيث يواجه الأهل تحديات جمة في التعامل مع أطفالهم أثناء الحروب، سواء في البلدان التي تدور فيها الحرب أو في البلدان التي تتابعها على شاشات التلفاز. في كل الأحوال، يحتاج الأطفال إلى معاملة خاصة من ذويهم سواء كانوا ضحايا للحرب أو مجرد متابعين لها. بعض البلدان أدركت خطورة هذه المسألة وسعت إلى مساعدة الآباء والأمهات من خلال حصص دراسية في المدارس تهيّئ الأطفال للتفاعل مع الحرب دون صدمات.

دعم الأطفال أثناء الحروب التحديات والحلول

دعم الأطفال أثناء الحروب التحديات والحلول

أول ما يجب أن يفعله الآباء والأمهات عند تعرض الطفل لظروف مروعة في الحروب هو إحاطته بالاطمئنان وتقديم الدعم النفسي له، مع التأكيد له بأن كل شيء سيكون على ما يرام وتشتيت فكره عن الحدث المروع.

أما الأطفال الأكبر سنًّا، فيمكن مناقشة ما يجري معهم وإقناعهم بأنهم في مكان آمن وأن القصف لن يطالهم، مع عدم منعهم من البكاء أو السؤال عما يجري. ويمكن لرب الأسرة في مناطق الحروب أن يجمع أسرته صغارًا وكبارًا من أجل قراءة القرآن والدعاء، مع زرع الإحساس بداخل الطفل بأن القدرة الإلهية قادرة على كل شيء، وأن قوة الله فوق كل قوة. يُمكن توضيح لهم كيف نجى الله تعالى إبراهيم من النار، وموسى من الغرق، ومحمدًا صلى الله عليه وسلم من كيد قريش، وكم من فئة قليلة نصرها الله تعالى على فئة كثيرة.

 

مقالات ذات صلة:

هل يكفي الدواء لعلاج الاكتئاب

الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب

أعراض الاكتئاب وتشخيصه