تأثير الحروب و المشاهد الدموية على الصحة النفسية للأطفال
الحروب هي ظواهر إنسانية غاية في القسوة والدمار، حيث تخلف وراءها آثارًا مدمرة على جميع الأصعدة، سواء الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية. ولعل الأطفال هم أكثر الفئات تضررًا من الحروب، حيث يتعرضون للعنف والقتل والتشريد والفقر، مما يترك آثارًا سلبية عميقة على صحتهم النفسية.
مفهوم الحرب
الحروب هي نزاعات مسلحة بين دولتين أو أكثر، تستخدم فيها القوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو أيديولوجية. وعادة ما تتميز الحروب بوجود صراع عنيف بين الطرفين المتحاربين، مما يؤدي إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة.
مفهوم الصحة النفسية
الصحة النفسية هي حالة من الرفاهية تسمح للفرد بالعيش والنمو والازدهار. وهي تشمل القدرة على التأقلم مع الضغوط الحياتية والتعامل مع المشاعر والعلاقات بشكل صحي.
تأثير الحروب على الصحة النفسية للأطفال
تؤثر الحروب على الصحة النفسية للأطفال بعدة طرق، منها:
-
التعرض للعنف: يتعرض الأطفال في أثناء الحروب للعنف بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يترك آثارًا سلبية على صحتهم النفسية. ومن الأمثلة على العنف الذي يتعرض له الأطفال خلال الحروب:
-
القتل
-
الإصابة
-
التشريد
-
الحرمان من الرعاية
-
الاستغلال الجنسي
-
-
الخوف والقلق: يشعر الأطفال في أثناء الحروب بالخوف والقلق الشديد، مما قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والتوتر والاكتئاب.
-
فقدان الثقة: يفقد الأطفال في أثناء الحروب الثقة في العالم من حولهم، مما قد يؤدي إلى الشعور بالوحدة والعزلة.
-
اضطرابات النوم: يعاني الأطفال في أثناء الحروب من اضطرابات النوم، مثل الكوابيس والأرق.
-
المشكلات السلوكية: قد يعاني الأطفال في أثناء الحروب من مشكلات سلوكية مثل العدوانية والانسحاب.
الآثار طويلة المدى للحروب على الصحة النفسية للأطفال
تستمر الآثار النفسية للحروب على الأطفال لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب، وقد تستمر مدى الحياة. ومن الأمثلة على الآثار طويلة المدى للحروب على الصحة النفسية للأطفال:
-
اضطرابات القلق والتوتر: قد يعاني الأطفال في مراحل لاحقة من حياتهم من اضطرابات القلق والتوتر، مثل اضطراب القلق العام واضطراب الهلع واضطراب ما بعد الصدمة.
-
اضطرابات الاكتئاب: قد يعاني الأطفال في مراحل لاحقة من حياتهم من اضطرابات الاكتئاب، مثل الاكتئاب الشديد والاضطراب الوجداني ثنائي القطب.
-
المشكلات السلوكية: قد يستمر الأطفال في المراهقة وال adulthood في مواجهة مشكلات سلوكية مثل العدوانية والانسحاب.
طرق الوقاية من آثار الحروب على الصحة النفسية للأطفال
هناك عدة طرق يمكن من خلالها الوقاية من آثار الحروب على الصحة النفسية للأطفال، منها:
-
توفير الرعاية النفسية للأطفال: من المهم توفير الرعاية النفسية للأطفال المتضررين من الحروب، وذلك لمساعدة الأطفال على التكيف مع الضغوط التي يتعرضون لها.
-
تثقيف الأطفال حول الحرب: من المهم تثقيف الأطفال حول الحرب وآثارها، وذلك لمساعدة الأطفال على فهم ما يحدث لهم.
-
تعزيز الدعم الاجتماعي للأطفال: من المهم تعزيز الدعم الاجتماعي للأطفال، وذلك من خلال توفير بيئة آمنة ورعاية من قبل أفراد الأسرة والأصدقاء والمجتمع.
انهدم البيت، وقعت الأحجار، وامتلأ القلب بالرعب، ذلك البيت الذي كان المأوى بات دماراً وحطاماً، وأصوات صراخ الأطفال يعلو صداها في كل الأرجاء، وها هي الدموع تغسل الدماء، أطفال يموتون، وآخرون يتيتمون… أين الإنسانية من كل هذا؟
طمع البشر وأنانيتهم، جشعهم وافتقارهم للإنسانية، تخطيهم كل الحدود وصراعاتهم المدمرة، هي الحرب القاتلة التي تنشر تداعياتها المدمرة على الأطفال الذين يشكلون الفئة الأكثر تضرراً من عدة نواحٍ، بالإضافة إلى الأعراض النفسية والجسدية، تتطور لدى هؤلاء الأطفال مشكلات صحية وعقلية جرّاء الحرب.
ما لا نراه ولا يمكن أن يُمحى دون علاج ومتابعة هو الأثر النفسي الذي يحمله الطفل في قلبه ومشاعره وجسده.ولعل أبرز المشكلات النفسية: اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) الذي يجعل الطفل يعيش التجربة نفسها مراراً وتكراراً في ذهنه، كالخوف من الأصوات العالية ما يجعله يبتعد عن المكان الذي يذكّره بمشاهد الحرب والإرهاب، وكذلك يبتعد تلقائياً عن الأشخاص المرتبطين بتلك الحالة، نرى هؤلاء الأطفال يعانون من تغيرات في احتياجاتهم اليومية كالأكل والنوم، كما تُلاحظ تقلبات في مزاجهم وسلوكهم.
النتائج واضحة؛ قتل وتشويه أو تجنيد الأطفال للقتال أو الاغتصاب وغير ذلك من أشكال العنف، وبعد انتهاء الحروب يتكفّل الزمن بتجاوز أو نسيان المشكلات، ولكن ما لا نراه ولا يمكن أن يُمحى دون علاج ومتابعة هو الأثر النفسي الذي يحمله الطفل في قلبه ومشاعره وجسده، إنه الدّمار النّفسي الذي للأسف في عالمنا العربي لا يُعطى اهتماماً، لكنه الأساس في احتواء المشكلات التي ستنعكس على جيل كاملٍ في المستقبل، الصدمة النّفسية لا يشفيها الوقت، بل –على العكس– يجعلها مستقرّة ويغذيها، تتعدّد ردود الفعل بحسب التجربة الشخصية للطفل ولعلّ أبرزها الخوف، والشعور بالخسارة والعجز.
الحرب تحوّل الطفل إلى شخص آخر، يتغير نتيجة الخوف والفوضى.الكشف عن هذه الحالات هو الخطوة الأهم في مسيرة العلاج، أمّا أهم معوقات اكتشاف هذه الحالات عند الأطفال وتشخيصها فهي عدم قدرتهم على التعبير عمّا يمرّون به، من هنا تأتي أهمية احتواء هذه الحالات ومساعدتها على التخطي والشفاء، يجب الانتباه للأعراض النفسية أو المرضية التي تظهر عند الطفل مثل الصعوبة في التنفس، القلق، التغيّر بالسلوك أو العدائية، التغيّر بعادات الأكل، التغيير بنوعية النوم، الصداع أو آلام جسدية حقيقية أو وهمية جراء التعذيب ومشاهد العنف التي رآها، وغالباً ما يعبّر الولد عن مشاعره الحقيقية من خلال اللعب وإعادة تمثيل مشاهد الحرب وأيضاً من خلال الرسم، فتراه يُظهر العديد من العوارض النفسية مثل الكآبة والحاجة المزمنة للعاطفة والتبعيّة النفسية والعاطفية والقلق المستمر والتوتر الشديد والانغلاق على المجتمع، ومشكلات نفسية خطيرة أخرى كالذهان، دون أن ننسى مخلّفات الحرب الاجتماعية والتعليمية.
ما زال هؤلاء الأطفال صغاراً على فهم ما يحصل، وليست لديهم الأدوات اللازمة للدفاع عن أنفسهم، فإذا لم يُقتلوا أو يؤسروا فإنهم إمّا يتعرضون للعذاب والهمجية أو يجبرون على الدخول في الصراع مرغمين وغير مخيّرين.
هناك عدة طرق للتعبير عن الروابط بين الطفل والحرب؛ أطفال الحرب، الأطفال في الحرب، الأطفال ضحايا الحرب والأطفال شهود الحرب.
الحرب تحوّل الطفل إلى شخص آخر، يتغير نتيجة الخوف والفوضى، لحظات وجيزة تمحو ملامح الطفولة والبراءة والأحلام، وتضع مكان الشعور بالأمان والاستقرار والحب الحزن وفقدان الأمل بغدٍ مشرق، من طفل عاشق للحياة إلى مسن قد تخلى عن طموحاته قسراً، إلى إنسان بات يخاف من الحياة ذاتها، يخاف أن يحلم أو أن يفكر.