التوازن بين الحب والحزم

انتشرت في النصف الثاني من القرن العشرين دعوات كثيرة للاعتماد على الحب فقط في العملية التربوية
وكانت معظم تلك الدعوات تستند إلى ردات فعل على التربية المتسلطة القاسية المنتشرة سابقا والتي أدت إلى نتائج وخيمة على الصعيدين النفسي والاجتماعي
لكن مع نهايات القرن العشرين وعندما بدأت تظهر للعيان نتائج التربية الحديثة التي ترفض اي عقوبة أو تحكم عاد الخبراء إلى المناداة بالتوازن بين الحب والحزم وأهمية كل منهما في التربية
فماذا يعني كل منهما وما ضرر غيابه؟
أما الحب فهو موجود بالفطرة كما يعرف كل الآباء والأمهات ولكننا نتكلم عن ضرورة التعبير عنه . أن تقول لابنك: أنا أحبك /أنت هدية ربي إلي/ أنا سعيد لأنك ولدي..
أن تسمعه وتنصت إلى قصصه وأن تتعاطف مع مشاعره وهمومه، وأن تشجع إنجازاته الصغيرة والكبيرة وأن تحترم آراءه.
كل ذلك يعتبر ضرورياً وأساسياً للبناء النفسي والعاطفي للطفل ولتشكيل شخصية متوازنة ومستقرة
يبخل بعض الأهالي بالتعبير عن عواطفهم لأبناءهم لظنهم أن ذلك يفسد الطفل، ولكن الحقيقة أن الحب لا يفسد الأطفال على الإطلاق بل على العكس نقصه هو ما يفسدهم .
إنما يفسد الأطفال بالدلال الناتج عن غياب القوانين وترك الطفل على هواه . والاستجابة لدموعه حين يطلب كسر القانون، وترك التحكم والقياده للطفل بدل أن تكون كما هو مفترض للوالدين
وهنا تأتي أهمية الحزم
الحزم هو أن يكون في بيتك قوانين ثابتة تتفق مع أطفالك عليها.. قوانين واضحة وليست وليدة انفعالاتك اللحظية.
وأن يكون هناك عقوبات متفق عليها مسبقا لمن يتكرر خرقه لتلك القوانين، عقوبات عادلة ، ولا اذى فيها كالحرمان من لعبة محببة .. عقوبات متفق عليها بشكل مسبق وليست ناتجة عن غضبك أو فقدك لأعصابك
والآن .. ما هي نتيجة عدم الالتزام بما سبق؟
إن غياب التعبير عن الحب والاكتفاء بالشدة في التربية سينتج لنا واحداً من اثنين : إنساناً ممسوح الشخصية لا يستطيع قول: لا لأي متنمر عليه، ويمكن أن يقع في فخ أي متحرش يغرقه بالعواطف التي يفتقدها، كما أنه يخشى أن يبدي رأيه، ولديه خوف من الخطأ يكبله عن أي إنجاز علمي أو مهني أو اجتماعي
أو سينتج إنساناً متمردا على كل شيء يريد أن ينتقم من القسوة التي عاناها فيثور على كل شيء وعلى كل قانون وكل سلطة
أما غياب الحزم والقوانين فستنتج إنساناً مدللاً لا يتحمل أن يقال له: لا . يحبط من أي فشل ولا يفهم طبيعة الحياة، ولا يحتمل أي حرمان وكثيراً ما يفشل في علاقاته المهنية والاجتماعية
وأخيراً.. إن أثمن ما يمكن أن نقوم به في تربية أبناءنا هو الاعتناء بجعلهم أسوياء نفسياً.. مستقرين عاطفياً.. فهذا هو الأساس الأول.. ويأتي بعده زرع الأفكار والمبادئ والقيم العليا والآداب ومهارات النجاج ..
كل ذلك يأتي بعده!

بقلم الدكتورة رنا السيد أحمد